موضوع: المسيح صانع المعجزات الجمعة سبتمبر 03, 2010 9:49 am
من المعلوم أن المسيح تميّز في صنع المعجزات بصورة فائقة لم يجاره بها أحد من الأنبياء. فالمسيح كله معجزة؛ ولادته معجزة، وحياته معجزة، موته وقيامته معجزة، صعوده إلى السماء على مرأىً من تلاميذه الأحد عشر معجزة مذهلة.. وفي أقواله وأفعاله وتعاليمه التي نادى بها يشعر الباحث أنه أمام نموذج فريد من المعجزات.
والأعجب من هذا وذاك أن معجزات المسيح لم تقف عند حدِّ مغادرته للأرض بعد قيامته، فهو غادرها حياً، وما زال حيّاً يصنع المعجزات حتى اليوم، وينقذ، ويشفي، ويخلّص كما كان يعمل على الأرض. ما زال يعمل من مكان سكناه في السماء.. لأنه حيّ قائم على رأس عمله، وعمله لم يتوقّف أبداً. وللتأكيد على هذا قال لتلاميذه قبل صعوده للسماء: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر". والدهر لم ينقضِ بعد، وحتى بعد انقضاء الدهر وانتهاء الزمن فأتباعه سيكونون معه في مجده يستمتعون بالهناء والسعادة بلا فراق ولا أحزان ولا هموم ولا دموع.
يقول الرائي يوحنا اللاهوتي كاتب سفر الرؤيا وهو يرى في رؤياه السماء التي سيسكنها الأبرار بعد زوال هذه المسكونة، يقول: [وسمعت صوتاً عظيماً من السماء قائلاً: هوذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم (هنا إشارة إلى المسيح) وهم يكونون له شعباً والله نفسه يكون معهم إلهاً لهم. وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون فيما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد، لأن الأمور الأولى قد مضت... وقال لي: اكتب، فإن هذه الأقوال صادقة وأمينة. ثم قال لي: قد تم! أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية. أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجاناً. من يغلب يرث كل شيء. وأكون له إلهاً وهو يكون لي ابناً. وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت، الذي هو الموت الثاني" (رؤيا 3:21-.
لم ندخل بعد في تفاصيل معجزات المسيح، إنما قبل الدخول في التفاصيل أشير إلى معجزة لم تتم بعد وهي قادمة دون شك، فالمسيح الذي غادر الأرض قبل ألفَي عام سيعود ثانية إليها! ألا يدعو هذا للعجب! فالذي غادر الأرض قبل هذا الزمن الطويل، كيف يعود من جديد؟! هذا أيضاً سرّ غامض عند البعض، والسرّ له علاقة بهوية هذا القادم. وسنأتي إلى تفاصيل ذلك في حلقات قادمة لكشف النقاب عن هويته وعن سرّ مجيئه، لماذا يأتي ثانية لأرض فارقها قبل ألفي عام؟ فهذا سرّ من أسرار عقيدة الكنيسة المسيحية، والسر معلن لأتباعها، وهم يعرفون لماذا سيأتي، والمسيحية هي الأولى في الحديث عن سر مجيئه لأنها هي القاعدة التي واكبت حياة المسيح على الأرض من لحظة ميلاده إلى لحظة صعوده إلى السماء، كما رصدت كل حركاته وأقواله ومعجزاته وسجلت ما رصدته بأمر الوحي في إنجيل مصونٍ لا تبديل لكلماته، ودوّنته بأدقّ التفاصيل، وسيشهد هذا الإنجيل أمام كل شعوب الأرض في يوم الدين أن كل ما جاء فيه كان عين الحق.
ما دمنا نتحدّث عن المسيح كصانع للمعجزات لا بدّ للإشارة إلى أن المسيح لم يكن وحده من قام بالمعجزات، فكُتُب الوحي أشارت إلى بعض من أنبياء الله من قاموا هم أيضاً بصنع المعجزات، ومع ذلك فمعجزات المسيح لا تُقارَن بمعجزات غيره من الأنبياء، وهنا نورد الملاحظات التالية:
أولاً: معجزات الأنبياء كانت محدودة العدد بينما معجزات المسيح كانت شاملة غطّت كل نواحي الحياة.
ثانياً: معجزات الأنبياء انحصرت في البعض منهم، وكل واحدة منها كانت بأمر وسماح من الله، ومن تجاوز حدود ما سُمح له به نال عقابه ولو كان نبياً كما حصل مع موسى كليم الله حين أمره الله بأن يكلم الصخرة لتُخرج ماء للشعب العطشان؛ وهو في غفلته ضرب الصخرة، ومع ذلك أخرجت ماء لكنه حُرم من دخول الأرض. بينما في معجزات المسيح كان يقول للشيء كن فكان، لم يقل مرة لميتٍ: بأمر الله قم، أو لمريض:بأمر الله تعافى، أو لشيطان نجس لبس إنساناً: بأمر الله اخرج منه، بل كان يقول: أنا آمرك أن تخرج منه فيخرج في الحال، وكان ينادي الميت فيسمعه الميّت ويمتثل لأوامره ويقوم.
ثالثاً: معجزات الأنبياء كانت محدودة الغرض في نوعيتها ضمن المسموح به للبشر ولا تصل إلى مستوى خلق الشيء من عدم، لأن عملية الخلق محصورة في الخالق الأوحد ولا تُمنح لغيره، بينما معجزات المسيح شملت كل المحظور على البشر من خلق وإحياء للموتى وعلم بالغيب، فهو خلق النظر لرجل مولود أعمى، وأقام الموتى، وأمات شجرة التين بكلمة. قال: لا يكن فيكِ ثمر فيما بعد، فماتت التينة في الحال والناس من حوله ينظرون ويتساءلون بذهول، كيف جفّت أغصانها يبست أوراقها أمام عيونهم بكلمة منه...
ونتساءل: هل تسمع الطبيعة الصمّاء لغير خالقها؟!! وكيف يسمع الميت الذي فارق الحياة وأصبح جثة هامدة؟ كيف يسمع صوت المسيح حين يقول له قم، وفي ذات اللحظة يحرّك عينيه ويبدأ قلبه البارد ينبض بالحياة من جديد ويقوم ويمتثل لأمر المسيح والناس من حوله ينظرون ويُذهلون ويتساءلون: من هو هذا؟!! وكيف لأمواج البحر الهائجة على سفينة التلاميذ وهم يبحرون صوب الشاطئ الآخر، كيف تسمع صوت المسيح حين أمرها أن تهدأ أو حين قال للبحر أن يبكم؟ فهل للبحر آذان تسمع؟ وهل للريح أو الأمواج أن تحسّ أو تميّز صوت من أمرها لتسكت فتلتزم؟!! هنا يقع الحلّ سهلاً لمن عرف هوية هذا المقتدر الذي يصنع المعجزات.
لا مجال للمقارنة بين ما يصنعه المسيح من معجزات ومحدودية ما قام به بعض الأنبياء من معجزات. تحضرني هنا قصيدة للشاعر العربي السوري المسيحي ناصيف اليازجي، إذ قال عن المسيح:
كانـت رجــال الله تحيـي ميّتـاً بصلاتها ودعـائها المتقـدّم ونراه (المسيح) يحيي الميِّتين بأمره فهو الإله ومن تشكك ينـدم