وكان الأنبياء والكهنة والملوك، في العهد القديم، يُمسحون بالدهن المقدس ويُدعي كلّ واحدٍ منهم بـ " مسيح الربّ "، وقد دُعي الربّ يسوع المسيح كذلك بمسيح الربّ كما دُعي أيضًا بالمسيح الربّ، والمسيح ابن الله الحيّ، والمسيح الرئيس، والمسيح ابن داود، والمسيح مختار الله، والمسيح مخلّص العالم ... إلخ. والسؤال الآن؛ ما معني كلمة مسيح؟ ومن هو يسوع المسيح؟ هل هو مسيح الربّ أمّ المسيح الربّ؟ ابن داود أم ابن الله؟ كيف مُسح بالروح القدس؟ هل هـو مجرّد نبيّ أم أنّه الربّ الإله؟.
ونُجيب في هذا الكتيب علي هذه الأسئلة وغـيرها إجابة تفصيليّة.
من هو المسيح ؟
وكيف مُسح بالروح القدس ؟
1- كلمة مسيح ومعناها:
كلمة " مسيح " في اللغة العبرية هي " ماشيح ـ מּשּׁיּח ـ Mashiakh " من الفعل العبري " مشح " أي " مسح " وتُنطق بالآراميّة " ماشيحا " ويقابلها في اللغة العربيّة " مسيح " ومعناها، في العهد القديم، الممسوح " بالدهن المقدس "، ونقلت كلمة " ماشيح " إلى اللغة اليونانية كما هي ولكن بحروف يونانية " ميسياس ـ Messias ـ Мεσσίας" وعن اليونانيّة نقلت إلي اللغات الأوربيّة " ماسيا ـ Messiah " كما تُرجمت الكلمة إلي اليونانيّة، أيضاً ترجمة فعلية " خريستوس ـ christos ـ Хριτός" أي المسيح أو الممسوح، من الفعل اليوناني " خريو ـ chriw" أي يمسح والذي يقابل الفعل العبري " مشح " والعربي " مسح "، وجاءت في اللاتينية " كريستوس ـ christos " وعنها في اللغات الأوربيّة " Christ".
وكانت عملية المسح تتم في العهد القديم " بالدهن المقدّس " الذي كان يُصنع من أفخر الأطياب وأفخر أصناف العطارة وزيت الزيتون النقي " وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: وَأَنْتَ تَأْخُذُ لَكَ أَفْخَرَ الأَطْيَابِ. مُرّاً قَاطِراً .... وَقِرْفَةً عَطِرَةً ..... وَقَصَبَ الذَّرِيرَةِ .... وَسَلِيخَةً .... وَمِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ .... تَصْنَعُهُ دُهْناً مُقَدَّساً لِلْمَسْحَةِ. عِطْرَ عِطَارَةٍ صَنْعَةَ الْعَطَّارِ. دُهْناً مُقَدَّساً لِلْمَسْحَةِ .... يَكُونُ هَذَا لِي دُهْناً مُقَدَّساً لِلْمَسْحَةِ فِي أَجْيَالِكُمْ." (خر30/22-31).
وكان الشخص أو الشيء الذي يُدهن بهذا الدهن المقدّس يصير مقدسًا، مكرّسًا ومخصّصًا للرب، وكل ما يمسّه يصير مقدّسًا: " وَتَمْسَحُ بِهِ خَيْمَةَ الاِجْتِمَاعِ وَتَابُوتَ الشَّهَادَةِ وَالْمَائِدَةَ وَكُلَّ آنِيَتِهَا وَالْمَنَارَةَ وَآنِيَتَهَا وَمَذْبَحَ الْبَخُورِ وَمَذْبَحَ الْمُحْرَقَةِ وَكُلَّ آنِيَتِهِ وَالْمِرْحَضَةَ وَقَاعِدَتَهَا. وَتُقَدِّسُهَا فَتَكُونُ قُدْسَ أَقْدَاسٍ. كُلُّ مَا مَسَّهَا يَكُونُ مُقَدس "( خر30/22-31).
وكانت عملية المسح تتمّ بصبّ الدهن المقدّس علي رأس الممسوح وكذلك الأواني والأماكن الطقسيّة المُراد مسحها وتقديسها فيصير الإنسان الممسوح مقدسًا ويحلّ عليه " روح الربّ " وتتحوّل الأواني والأماكن إلي قدس للربّ: " ثُمَّ أَخَذَ مُوسَى دُهْـنَ الْمَسْحَةِ وَمَسَحَ الْمَسْكَنَ وَكُلَّ مَا فِيهِ وَقَدَّسَهُ، وَنَضَحَ مِنْهُ عَـلَي الْمَذْبَحِ سَـبْعَ مَرَّاتٍ وَمَسَـحَ الْمَذْبَحَ وَجَمِيعَ آنِيَتِهِ وَالْمِرْحَضَةَ وَقَاعِدَتَهَا لِتَقـْدِيسِهَا. وَصَبَّ مِنْ دُهْـنِ الْمَسْحَةِ عَـلَي رَأْسِ هَارُونَ وَمَسَحَهُ لِتَقْـدِيسِهِ." (لا 8/10-12) ، " فَأَخَذَ صَمُوئِيلُ قَرْنَ الدُّهْنِ وَمَسَحَهُ ( داود) فِي وَسَطِ إِخْوَتِهِ. وَحَلَّ رُوحُ الرَّبِّ عَلَى دَاوُدَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَصَاعِداً " (1صم 16/13) ، وقال صموئيل النبي لشاول بعـد مسحه ملكاً " فَيَحِلُّ عَلَيْكَ رُوحُ الرَّبِّ فَتَتَنَبَّأُ مَعَهُمْ (أي جماعة الأنبياء) وَتَتَحَوَّلُ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ " (1صم 10/6) .
وهكذا دُعِي الكهنة والأنبيّاء والملوك بـ " مُسَحَاء الرَبّ " ( مز105/15) ، ومفردها " مسيح الرب " (2صم23/1) ، ويصفهم الله بمُسحائي " لا تَمَسّوا مُسَحَائي وَلا تُؤذُوا أَنْبِيَائِي " (1أخ16/22) ، " لا تَمِسّوا مُسَحَائِي وَلا تُسِيئُوا إِلَي أَنْبِيَائِي لأنَّهُم مُسِحًوا بِالدِهـْنِ المُقدّسِ وَحَلّ عَـلَيِهُم رُوحُ الرَبّ " (مز105/15). 2- المسيح الرئيس:
ولكنّ الوحي الإلهي في أسفار العهد القديم يؤكّد لنا من خلال نبوّات جميع الأنبياء أنّ هؤلاء " المُسَحَاء " جميعًا، سواء من الكهنة أو الأنبياء أو الملوك، كانوا ظلاً ورمزاً " للنسل الآتي " والذي دُعِي منذ عـصر داود فصاعـدًا بـ " المسيح "، وكانوا جميعًا متعـلقين بهـذا المسيح " مسيح المستقبل " الذي سوف يأتي في " ملء الزمان " والذي وصفه الروح القدس في سفر دانيال النبي بـ " اَلمَسِيح اَلرَئِيس " (دا 9/24)، و " اَلمَسِيح " و " قـُدُّوس اَلقِـدّيسِين " (دا 9/25)، والذي سـوف يكون له وظائف الكاهـن والنبي والملك؛ الكاهـن الكامل والنبي الكامل والملك الكامل.
هـذا " النسل الآتي " ، " الذي له السيادة " ، كقول النبوة " ولَه يَكُون خُضُوع شِعُـوب " (تك49/10)، و " المسيح المنتظر "، والذي قالت عنه النبوّة أنّه " كوكب يعقوب " (عدد24/17)، والذي قال هـو عـن نفسه أنَّه " كَوْكَب الصُبْح المُنِير " (رؤ16/22)، أعـلن الكتاب بالروح كل ما يختصّ به من جهة نسـبه البشريّ وميلاده بالجسد وكلّ دقائق وتفاصيل حياته وكل ما يتعلق بأيّام تجسّده عـلي الأرض فقال:
1 ـ أنّه سيأتي من نسل إبـراهيم ، قال الله لإبراهيم :
8 ـ بل وقـد حـددت النبوات زمن ميلاده؛ قال الملاك جبرائيل لدانيال النبي " فَاعْلَمْ وَافْهَمْ أَنَّهُ مِنْ خُرُوجِ الأَمْرِ لِتَجْدِيدِ أُورُشَلِيمَ وَبَنَائِهَا إِلَي الْمَسِيحِ اَلرَّئِيسِ سَـبْعَةُ أَسَابِيعَ وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعاً " (دا 9/25). وقد أجمع العلماء علي أنّ هذه المدّة انتهت بعـماد الربّ يسوع المسيح من يوحنا المعمدان.
كما أعلن الكتاب بالروح القدس عـلي فمّ الأنبياء أهمّ أحداث حياته المسيح عـلي الأرض مثل:
وقد تمّت جميع هذه النبوّات، وغـيرها، حرفيًا في شخص الرب يسوع المسيح الذي تنبّأت النبوّات أنّه لابد سيأتي. قالت له المرأة السامريّة " أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ قَالَ لَهَا يَسُوعُ: أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ " (يو4/25-26)، ولما تبع إندراوس الرب يسوع المسيح بناء علي شهادة يوحنا المعمدان عنه قال لبطرس أخيه " قَدْ وَجَدْنَا مَسِيَّا، الَّذِي تَفْسِيرُهُ: الْمَسِيحُ " (يو1/41). وعندما سأل رئيس الكهنة السيّد المسيح عند محاكمته " هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ؟ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضاً أَقُـولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِساً عَـنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِياً عَـلَي سَحَابِ السَّمَاءِ" (مت26/63-64).
ولما أرسل يوحنا المعمدان إثنين من تلاميذه إلي السيّد المسيح ليسألاه السؤال الذي انتظرت الإجابة عليه أجيال كثيرة : " أَنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟ " قال لهما " اذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا تَسْمَعَانِ وَتَنْظُرَانِ. اَلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ وَالْعُرْجُ يَمْشُونَ وَالْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ وَالصُّمُّ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ وَالْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ. وَطُوبَى لِمَنْ لاَ يَعْثُرُ فِيَّ" (مت11/5-6). وهو بهذا يشير إلي ما سبق أنْ تنبّأ به عـنه أشعـياء النبي بالروح قائلا: " حِينَئِذٍ يَقْفِزُ الأَعْرَجُ كَالإِيَّلِ وَيَتَرَنَّمُ لِسَانُ الأَخْرَسِ " (اش35/6)، " وَأَجْعَلُكَ عَهْداً لِلشَّعْبِ وَنُوراً لِلأُمَمِ لِتَفْتَحَ عُـيُونَ الْعُمْيِ لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ " (اش42/6-7).
وفي مجمع الناصرة أعـلن أمام الجموع أنّه هو " الآتي " الذي تنبّأ عـنه الأنبياء مستشهدًا بما جاء عـنه في سفر إشعياء النبي " ودخل إلي المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ . فدفع إليه بسفر إشعياء النبي . ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوباً فيه: " رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ. ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْخَادِمِ وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ. فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هَذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ." (لو19/18-21).
وإنْ كان الرب يسوع المسيح قد وُصف بابن الله الحيّ فقد وصفهُ الآب، بصوت جهوريّ، بـ " ابْنِي الْحَبِيبُ " عـند معموديّته من يوحنا المعمدان وسمع هذا الصوت مع يوحنا المعمدان كلّ من كانوا حاضرين عـندما نادي من السماء قائلاً: " هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ " (مت3/17) وتكرّر هذا القول أيضًا علي جبل التجلي بنفس النصّ " هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ " (مت17/5). وقد كانت هذه المرّة في حضور ثلاثة من التلاميذ هم يعـقوب ويوحنا وبطرس. وقد ظلّ هذا القول وهذا الصوت يرنّ في آذانهم كلّ أيام حياتهم، يقول القديس بطرس بالروح " لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ. لأَنَّهُ أَخَذَ مِنَ اللَّهِ الآبِ كَرَامَةً وَمَجْداً، إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ صَوْتٌ كَهَذَا مِنَ الْمَجْدِ الأَسْنَى: هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي أَنَا سُرِرْتُ بِهِ. وَنَحْنُ سَمِعْنَا هَذَا الصَّوْتَ مُقْبِلاً مِنَ السَّمَاءِ إِذْ كُنَّا مَعَهُ فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ. " (2بط1/16-18).
5- مسيح الربّ أم المسيح الربّ:
كان المسحاء في العهد القديم يُدعون بـ " مسيح الرب "، وقد دُعي الربّ يسوع المسيح كذلك بمسيح الرب، ولكنّه ليس مُجرّد مسيح للربّ كداود أو غـيره وإنّما كان هو " المسيح الرب "، أي الربّ نفسه الذي ظهر في الجسد ومُسح بالروح القدس أيضًا، فلمّا وُلد الربّ يسوع المسيح ظهر الملاك للرعاة وبشّرهم قائلاً: " فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ." (لو2/10-11) .
† والسؤال الآن ؛ من هو المسيح ؟ هل هو مُجرّد نبي أم أنّه الرب الإله؟
ونجيب علي هذا السؤال بأربعة أسئلة، الأول نسأله نحن، والثاني والثالث سألهما الرب يسوع المسيح نفسه للتلاميذ ولليهود، والرابع سأله رئيس الكهنة للرب يسوع المسيح مباشرة:
1 ـ ماذا قال عـنه العـهد القـديم ؟ وهل قال العهد القديم أنه أكثر من مجرّد نبي؟.
والإجابة هي أنّ العهد القديم أكّد في أكثر من موضع أنّه الرب الديّان والمعـبود من جميع الخليقة في الكون كله والإله القدير :
† فقد تنبأ أشعياء النبي وقال بالروح أنّ المسيح الآتي برغم أنّه سيُولد من بيت يعـقوب ومن نسل داود كابن داود إلاَّ أنّه هـو نفسه الإله القدير ذاته، الآب الأبديّ، الذي لا بداية له ولا نهاية، فقال بالروح " لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَي كَتِفِهِ وَيُدْعَي اسْمُهُ عَجِيباً مُشِيراً إِلَهاً قَدِيراً أَباً أَبَدِيّاً رَئِيسَ السَّلاَمِ، لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَي كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَي مَمْلَكَتِهِ لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْـضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَـيْرَةُ رَبِّ الْجُـنُودِ تَصْنَعُ هَذَا " (أشعيا9/6،7). وهذا يتساوى مع قول القديس بولس بالروح " وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلَهاً مُبَارَكاً إِلَى الأَبَدِ. " (رو9/5).
كما قال أشعياء النبي بالروح عنه أيضًا " وَأَجْعَلُ مِفْتَاحَ بَيْتِ دَاوُدَ عَلَى كَتِفِهِ فَيَفْتَحُ وَلَيْسَ مَنْ يُغْلِقُ وَيُغْلِقُ وَلَيْسَ مَنْ يَفْتَحُ. " (اش22/22). وهذا قريب مما قاله الرب يسوع المسيح نفسه " أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتاً وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ " (رؤ1/17-18).
فبرغم أنّه سيُولد من بني إسرائيل إلاَّ أنّه، في حقيقته، هـو الإله القدير الآب الأبديّ، الذي لا بداية له ولا نهاية.
† وتنبّأ ميخا النبي بالروح أنّه القديم الأزليّ، الذي لا بداية له، بالرغم من أنّه سيُولد كإنسان في بيت لحم " أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَِ أَفْرَاتَةَ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ " (مي5/2).
† كما تنبأ دانيال انه الرب المعبود من جميع الخليقة في الكون كله : " كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ. " (دا 7/13-14).
والإجابة هي أنّه " ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ "! فما معني ابن الله الحيّ؟ وماذا كان مفهومها في العهد الجديد؟ ويتضح لنا المعني من صوت الآب السماوي " هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ " ، فهو ابن الله الحيّ وأبن الله الحبيب. قالت له مرثا أخت لعازر عندما قال لها الربّ نفسه " أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا. وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟ قَالَتْ لَهُ: نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ " (يو11/25-27).
إذًا فالمسيح هـو أكثر من مُجرّد إنسان عاديّ وأكثر من مُجرّد نبيّ! لماذا؟ لأنَّ أسفار العهد القديم تنبّأت من ضمن ما تنبّأت به عـنه أنَّه هو نفسه الربّ الإله، ربّ داود وربّ جميع الآباء والأنبياء والإله القدير، الأبديّ الأزليّ، الذي لا بداية له ولا نهاية، وصوت الآب السماوي ناداه بـ " ابْنِي الْحَبِيبُ " ، كما نطق الروح القدس علي لسان القديس بطرس قائلاً " أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ "، وفهمت مرثا من أعماله أنَّه المسيح ابن الله الحيّ.
3 ـ وفي سؤاله الثاني لرؤساء اليهود إستشهد الربّ يسوع المسيح بنبوّة داود النبي عـن لاهوته وربوبيّته، فقال لهم " مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟، قَالُوا لَهُ: ابْنُ دَاوُدَ. قَالَ لَهُمْ: فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبّاً قَائِلاً: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟ فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟. فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يُجِيبَهُ بِكَلِمَةٍ. وَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ أَنْ يَسْأَلَهُ بَتَّةً. " (مت22/42-46).
أكّد الربّ يسوع المسيح في سؤاله لهم أنَّه هو ربّ داود الجالس عن يمين العـظمة في السموات. فمن هـو ربّ داود؟. والإجابة هي: ربّ داود هـو الله! فالكتاب يقول: " إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ." (تث6/4). وقد أكّد ذلك أيضًا السيّد المسيح نفسه في قوله " إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. " (مر12/29). والكتاب يقول أيضًا أنَّ الربّ يسوع المسيح نفسه هـو هـذا الربّ الواحد " لَكِنْ لَنَا إِلَهٌ وَاحِدٌ: الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِي بِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ بِهِ. " (1كو8/6).
وهنا أكد له الرب يسوع المسيح هذه الحقيقة مضيفا إليها الإشارة إلى ما جاء عنه في سفر دانيال باعتباره المعبود من جميع الخلائق ، وهنا يقول الكتاب بالروح
" فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلاً: قَدْ جَدَّفَ! مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ! " (مت26/65) . لأنه لم يتصور بفكره البشري القاصر أن الذي كان يقف أمامه هو الرب المعبود !!
6- ما معني أنّ المسيح مُسِح بالروح القدس:
إذا كان المسيح ، كما بيّنا أعلاه هو الربّ المعبود ؟ فكيف مُسح بالروح القدس مثل الكهنة والملوك والأنبياء ؟
والإجابة هي أنَّ الربّ يسوع المسيح قد صار إنسانا عندما اتّخذ جسدا "َ وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً."(يو1/14)، اتّخذ صورة العبد " أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ " (في2/6-7)، واشترك معنا في اللحم والدم " فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا،" (عب2/14)، وفي كلّ ما لنا من روح ونفس، فقد كان كاملاً في ناسوته، إنسانيّته التي اتّخذها ، وقَبِل أنْ يكون مثلنا " مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ. " (عب4/15). فهو قد ظهر في الجسد " عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، " (1تي 3/16)، ومشي بين الناس كإنسان " وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ ". ومن ثمّ فقد قام بمهمّة النبيّ والملك والكاهن، وقِيل عنه أنَّه نبيّ؛ " فَقَالَتِ الْجُمُوعُ: «هَذَا يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ» " (مت21/11) ، " فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ الآيَةَ الَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ قَالُوا: «إِنَّ هَذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ النَّبِيُّ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ! " (يو6/14) " فَكَثِيرُونَ مِنَ الْجَمْعِ لَمَّا سَمِعُوا هَذَا الْكلاَمَ قَالُوا: «هَذَا بِالْحَقِيقَةِ هُوَ النَّبِيُّ " (يو7/40). وأنّه " مَلِك اَلْيَهُودِ " منذ لحظة ميلاده !!
ولكنّه لم يكنْ مُجرّد نبيّ كأي نبيّ آخر ، ولا ملك كأي ملك بشريّ، ولا كاهن مثل هرون أو بقيّة سبط لاوي، وإنمّا هو ربّ الأنبياء ومُرسِلْهم والذي تعبده الخليقة كلّها ! فهو ملك حقًا ولكن كما قال " مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. " (يو18/36)، فهو " مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ " (رؤ 19/16). وقد جاء ككاهن أيضًا ولكنّه هو ابن الله