إنّ الروح القدس الذي هو المحبة – العطاء يوزّع مواهبه على المؤمنين بالمسيح بسخاء إلهي عجيب، فهو عدا "المواهب" و"الثمار" التي يعرف بها:
أ) يجذبنا إلى الإيمان ويساعدنا على إنمائه: فالروح يشهد على حقيقة الإنجيل ويجذبنا إليها ويعطي الحقائق التي نسمعها باستمرار الحياة ويجعلنا نعيشها ونركز عليها حياتنا. ولهذه الغاية يشفي عقولنا المجروحة بالخطيئة والمشوّهة ويمنحنا معرفة عميقة وأساسية نبني عليها حياتنا.
ب) يعلمنا، من خلال توحيدنا مع المسيح وجسده، من هو الآب بالنسبة إلينا ويمنحنا الوعي لحضوره في حياتنا، يعلّم حتى الخاطئ منا أن يصرخ "أبّا"، ويتعامل مع الآب كابن فيحترمه ويخدمه ويحبه كأب ويعي في الوقت عينه عظمته كإله خالق.
أما اتحادنا مع يسوع وجسده فيبدأ بالمعمودية ويكتمل بالافخارستيا. ففي المناولة نتحد روحيًا وجسديًا بيسوع وهذا أيضًا من عمل الروح.
ج) يقوي الإنسان الباطني: في القيامة أظهر الروح القدس ذاته روحًا محييًا. وقد وضع في
الإنسان أصل الحياة الدائمة (حك 15/3 + رو 8/9) الذي منه تنبع الحياة الجديدة. بانسكاب الروح ينضج الإنسان الباطني ويتقوى. فالروح يخلّصه ويقدّسه ويدخله الحياة الجديدة فيتحوّل إلى حال فائقة الطبيعة، حال الحياة الإلهية ويصير مسكنًا للروح القدس وهيكل الله الحيّ (1قور 8/9) فيعيش الإنسان في الله ومن الله، يعيش حسب الروح ويفكّر فيما للروح. وهكذا تكمل في الإنسان صورة الله
د) يحوّل ويحرّر: عندما يقرب الله ذاته عطية للإنسان في الروح القدس، فهذا الإنسان يتحوّل
بكامله في عقله وضميره وعاطفته ويكتشف ملء الحرية البشرية لأنه "حيث تكون روح
الرب تكون الحرية" (2قور 3/17) والمسيحيون بطاعتهم للروح يسهمون في تجديد وجه الأرض (مز 104/30).
يتّضح إذًا من تعاليم الكنيسة أنّ خلاصنا الذي صنعه الرب يسوع قد تمّ بقوّة الروح القدس وكذلك قداستنا وأنّ عمل الروح الذي بدأ منذ الخلق وتجلّى في العنصرة بولادة كنيسة المسيح لم ينقطع أبدًا بل هو مستمر إلى انقضاء الدهر. بقي علينا أن نعي حضور الروح فينا – وقد أخذناه في العماد – وأن نتجاوب مع عمله. والخطوة الأولى هي تحرير الروح والتحرر به.
نعرف من الكتاب أنّ كل من اعتمد بالمسيح ،يقبل مع نعمة التبرير والتبني الروح القدس ومواهبه. إلى أنّ هذه المواهب إذا أهملت، لا تعمل في حياة المسيحي ولا تؤثّر على علاقته بالرب. ,وليس علينا سوى أن نسأل الرب بواسطة صلاة كلّها إيمان وبالاتكال على مواعيد المسيح (لو 11/9-13 + يو7/37-39).
أن يتحوّل ما قبله المؤمنون في العماد إلى فعل أو بعبارة أخرى يسعى الراغب بالولادة الجديدة أن يتجاوب بإيمان راسخ وواثق مع الروح الذي قد أعطي له في العماد لكي تستطيع حياة الروح ومواهبه وثماره أن تأخذ كل مفعولها في أحد أعضاء جسد المسيح السري. وهذا ما يسمّى "بتحرير الروح".
وهكذا فعلى المسيحي أن يحرّر الروح من كل العوائق التي تقف في وجه عمله لكي بدوره يحرّره من كل أنواع العبودية ويقدّسه.
الشروط للتحرّر بالروح وهي:
أ) التوبة التي تتضمّن العزم على إجراء تغيير جذري في حياتنا بقوّة الروح والاستسلام المطلق لمشيئة الرب.
ب) الالتزام نحو شخص يسوع بأن نعطيه ذاتنا وبدون تحفّظ مع الإقرار بأنّه رب ومخلّص.
ج) الرغبة في الانفتاح على الروح وعمله فينا بواسطة مواهبه وثماره.
مواهب الروح: هذه المواهب، كما قلنا، تعطى لنا في العماد. إنّها عديدة وقد ذكرها القديس بولس في رسائله، إنّما أهمّها هي تلك التي عدّدها (1قور 12/8-10)، وهي: كلام الحكمة، كلام المعرفة، الإيمان، الشفاء، القدرة على الإتيان بالمعجزات، النبوءة، التمييز ما بين الأرواح، التكلّم باللغات وترجمتها، وقد أضاف إليها في أمكنة أخرى: الخدمة، التعليم، الكرم، الإرشاد، الرحمة، البشارة بالإنجيل.
هذه المواهب التي يذكرها الرسول ليست في الواقع سوى أمثلة عن مختلف أنواع العطايا التي يمنحها الروح لخدمة الكنيسة. (من الخطأ الاعتقاد بأنهّا تعطى مكافأة لحياة قدّيسة)، انّ هذه المواهب تمنح بوفرة وهي تلعب، مع ثمار الروح دورًا عظيمًا في تجدّد حياة كنيسة المسيح. والروح سيعطي مواهب أوفر وفقًا لاحتياجات هذه الكنيسة.
المواهب تمنح لكل شخص لكي ينمو فيه ثمر الروح: المحبة، الفرح، السلام، الصبر، اللطف وكرم الأخلاق، والإيمان، والوداعة، العفاف (غلا 5/22) هذا الثمر يجعل المؤمن شبيهًا بالمسيح ويساعده في علاقاته مع إخوته البشر.
ثمر الروح هو علامة المسيحي وتبقى المحبة الثمرة الأولى. العيش على مثال المسيحيين الأولين "بقلب واحد ونفس واحد" (أع 4/32).
ومن الثمر الذي يمنحه الروح، وقد أعطى منذ يوم العنصرة، الجرأة والشجاعة للشهادة للرب ولعمله ثم الفرح الناجم عن معرفتنا بأنّنا ملكوت الله: "فليس ملكوت الله أكلاً وشربًا بل بر وسلام وفرح في الروح القدس"( رو 14/17) وهذا الفرح الذي يعطيه الروح القدس وحده يرافقنا في زمن الآلام والشدة: "افرحوا بقدر ما تشاركون المسيح في آلامه، حتى إذا تجلّى مجده كنتم بفرح وابتهاج" (1بط 4/13) ومن الثمر الكرم وهو لا يعني فقط الكرم المادي بل الاستعداد لأن نعطي كل شيء للرب. من المسلّم به أنّ كل مسيحي له الحق وعليه الواجب بأن يبشّر بالمسيح. فالروح يعطينا المعرفة لكي يدخل كلامنا إلى القلوب وهو ينمّيه: نحن نزرع البذور والروح يمنحها النمو. فالروح وعدنا بآيات وعجائب تثبت كلامنا (مر 16/17-18). وفي الواقع، الروح يعطي هذه القوّة الآن بالشفاءات الجسديّة التي تحدث غالبًا، والروحية. والروح يعطي الحكمة لنقول للناس الكلام المناسب الذي يصل إلى أعماق قلوبهم.
إنّ أهمية الجماعة تأتي من إرادة الرب يسوع. فهو قد مات عن كل إنسان ليفتديه لكنه أراد أيضًا أن يكوّن له شعبًا يبرم معه عهدًا جديدًا كما فعل في العهد القديم مع الشعب اليهودي. هذا الشعب هو شعب الله الذي يقول عنه بطرس الرسول: "أمّا أنتم فإنّكم ذرية مختارة وجماعة الملك الكهنوتية وأمة مقدّسة وشعب اقتناه الله للإرشاد بآيات الذي دعاكم من الظلمات إلى نوره العجيب. لم تكونوا بالأمس شعب الله، فأمّا الآن فإنّكم شعبه" (1بط 2/9-10).
واستنادًا إلى الكتاب المقدس ، بأننا عندما نعطى الروح لا نعطاه فقط ليدخلنا في اتحاد شخصي مع الله وإنما أيضًا في اتحاد جديد مع بعضنا البعض. كان من أهم نتائج العنصرة أن المسيحيين أصبحوا إخوة وأعضاء عائلة واحدة (أع 4/32-35).
الرب يبارك حياتكم