[/
1- الكنسية القبطية في نهاية العصر الفاطمي
لا ريب أن عصر الدولة الفاطمية في مصر كان عصر هدوء وسلام وسكينة، وبذلك ساد الاستقرار أغلب مؤسسات الدولة. ولم يحدث قط في تاريخ مصر آنذاك أن تغير شكل الحكم بهذه المسالمة، كما أن ظفر الفاطميين بمصر قد حولها تدريجيا من دولة تابعة إلى دولة مستقلة، وبالتالى أوصلها إلى مكانة مرموقة بين مختلف الدول المجاورة.
ولما كان موضوعنا هو نهاية هذه الدولة، أو "مصر في القرن الحادى عشر الميلادى" فإن هذا يساير عهد الخليفة الظاهر بن الحاكم بأمر الله.
وللعجب أن يأتى المولود على عكس الوالد، فبعد أن ذاقت الكنيسة ومصر كلها الأمرّين على عهد الحاكم بأمر الله، فقد جاء " الظاهر " بخطة تسامح وألفة، مثلما كان على عهد جده "العزيز بالله" مما أفرز إنتاجاً غزيراً من الفكر والفن، فتبارى العلماء والأدباء في التأليف وتبارى الشعراء في القريض، مما راجت معه سوق العلم والأدب والاستمتاع بالموسيقى والغناء.
بل أن الظاهر أعاد بتسامحه الكثير من الحقوق إلى الأقباط ومنح الذين غيروا دينهم في عهد أبيه عنوة أن يرجعوا إلى دينهم الأصلى، وسمح بترميم ما تهدم من كنائس.
ولقد عاصر العصر الفاطمى عدد كبيرا من البطاركة بلغوا اثنا عشر بطريركا، منهم خمسة بطاركة في فترة دراستنا هذه عاشوا عهد الظاهر وبعده المستنصر، وهو الخليفة الذي عاش أطول فترة من سابقه وعايش معظم هؤلاء البطاركة، وتولى الحكم قاصرا بوصاية أمه السودانية الأصل، وبعد أن بلغ سن الرشد تسلم الحكم من أمه فبدأ سالما عادلا إلا أن وزيرة "بازورى" كان يقلب على المسيحين حيث كان طامعا في المال وفى السلطة.
وقد شغل الكرسى البطريركى في القرن الحادى عشر ونهاية العصر الفاطمى كل من الاباء البطاركة:
- الأنبا زخارياس (زكريا) البطريرك الرابع والستون 1004 – 1032
- الأنبا شنودة الثانى البطريرك الخامس والستون 1032- 1046
- الأنبا خرستوذولوس البطريرك السادس والستون 1046 – 1077
- الأنبا كيرلس الثانى البطريرك السابع والستون 1078 – 1092
- الأنبا ميخائيل السنجارى البطريرك الثامن والستون 1092 – 1102
وسيكون تركيزنا أكثر على كل من الأنبا خريستوذولس والأنبا شنودة الثانى كنموذجين متناقضين، مع عدم الإخلال بذكر بقية الآباء.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- الأقباط و الحملات الصليبية
بدأ الصليبيون عزوهم لبلاد المشرق في عام 1096 إلى 1292 بدعوى استعادة الاملاك المقدسة والبيع من أيدي المسلمين إلى أيدي المسيحيين، وان كان الهدف كان سياسيا فقد تأسست اربع امارات صلبيه هي:
بيت المقدس وانطاكية وطرابلس والرها، وقد ساعدهم على الانتصار ما كان من انقسام بين الاتراك السلاجعة السنيين في العراق والفاطميين الشيعيين في مصر فضلا عن الشقاهه بين الامارات الاسلامية نفسها.
وفى الفترة الاولى من الحملات الصلبية على المشرق وهى من 1096 – 1099 عند تأسيس إمارة القدس (بيت المقدس) كان يحكم مصر الفاطميون، إلا ان السلطة الفعلية كانت في يد الدنداء كما رأينا.
وأصبح من الطبيعي في هذه الظروف الشائنة والتي كان يشوبها الصفف والاستهتار، ان يتسرب الشك إلى قلب الحكام المسلمين في علاقة الأقباط بالصلبيين المسيحيين، خصوصاً وانهم لم يكونوا يعرفون الخلاف بين المسيحيين الأقباط على المذهب الارثوزكسى وبين الآخرين الكاثوليك، وان الهوة واسعة بينهما.
منذ عام 451, فألكل امامهم مسيحيون، لذلك كان على الحكام المسلمين في مصر أن يراقبوا الأقباط ويزيدوا الضرائب عليهم، وهذا اول ما نال الأقباط من جراء الغزو الصليبى المشئوم فلم ينعم الأقباط بالراحة طوال وجود الحملات الصلبية في الشرق ، فالحملات الصلبية التي لم تكن تعرف عن الصليب إلا شكله جعلت المسلمين يعادون كل اتباع الصليب سواء كانوا من الاتين أو اليونانين أو الأقباط، ومن ثم بدأت مرحلة جديدة من مراحل تعذيب الأقباط واخطاوهم بالاضافة إلى انه رغم هذا كان الصلبيون ينظرون إلى الأقباط نظرة من يخالفهم في الذهب ويشكون في ولائهم لهم ان هم نجحوا في غزوهم، اى ان الأقباط وقعوا بين حفظين لا دخل لهم فيها
حاول الصلبيون الاستيلاء على مصر في خلافة الأمر بن المستصلى الخليفة الفاطمى (1101 -1130) ولكنهم فشلوا، ولشدة غيظهم من عدم تعاون الأقباط معهم منعوهم من زيارة الاراضى المقدسة
وفى النهاية فانه مما لا شك فيه ان الحملات الصلبية انشات موقفا صعبا بالنسبة للأقباط، فقد تخالف الجهل مع التعصب في اتهام الأقباط بمساعدة الصليبيين أو التخابر معهم بينما كانوا في الحقيقة شديدى الحرص على ان يكونوا محايدين بل متعاونين في احيان كثيرة مع المسلمين في مصر لانهم عنصران في بلد واحد، اما الصلبين فهم رباء وغزاه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- الكنسية القبطية في ظل الدولة الأيوبية
تولى صلاح الدين يوسف كرسى الوزارة 1161 م، وكان مسلما متدينا، إلا انه ضايق الأقباط كثيرا، فأمر بطردهم من العمل في دواوين الحكومة وان يعلقوا اجراسا في اعناقهم، وأمر بنزع الصلبان الخشب من فوق قباب الكنائس
ولما كان من عادة المسيحيين ان يزفوا الصليب في عيد احد الشعانين في الشوارع في كل بلدة وكل مدينة منعهم من هذا، وأمرهم بأن تكون اصواتهم منخفضة في الصلوات في الكنائس كان هذا مما حرك بعضا من المسلمين إلى معاملة المسيحيين معاملة سنية واغتصبوا بعض الكنائس
ولما تولى صلاح الدين السلطنه سنه 1171، وفى اثناء انشغاله بالحروب الصلبية في سوريا اراد ملك انوبة ان ينتهز الفرصة ويستولى على مصر، فوصل اسوان واسر كثيرا من المسلمين، فسير صلاح الدين إليه جيشا حاصر قلعة دير ابريم وفتحها عنوه وخلص الاسره ونهب المدينة وقتل أكثر سكانها واسر اسقفا وطالبه بمال كثير وكان اثناء حروب صلاح الدين في الشام ان اناب عنه وزيرى بهاء الدين احد خصبانه السود، فرأى هذا الخص ان يرمم اسوار المدينة فساق اليها المصريين مسلميين ومسيحيين معا ليشتغلوا في هذا العمل، فنقم عليه الجميع، وصار الاولاد يمثلونه في الشوارع ويلقبونه باسم قراقوش، ولا يزال هذا الاسم يستعمل للظالم للأن
وقد تعمد هذا الوزير مضايقة الأقباط، فما كان منه إلا انه رفت كل موظف قبطى من دوائر الحكومة إلا من اسلم، ثم عاد فأرجعهم إلى اعمالهم لما استحالت دوائر العمل في الدواوين على ان تدور، بل ان السلطان نفسه لما تحقق من امانتهم اتخذ له منهم كاتبا خصوصيا من عائلة قديمة شريفة تعرف بعائلة شرافى، وكان ابوه من مشاهير رجال الحكومة ايام الماضى، وكان يسمى بأبى العالى، ومنحة صلاح الدين لقب الشرف والرئاسة وسماه بالشيخ الرئيس صفى الدولة بن ابى العالى، وكان محبوبا، وظل في خدمته إلى ان دات
وكان الارمن الذين هاجروا من مصر قد تركوا كنيسة لهم بالفسطاط، انعم بها صلاح الدين على فقية دمشقى يسمى بهاء الدين فطلبها صفى الدولة هذا لتكون للأقباط فأعطاها لهم صلاح الدين، ولما تحقق صلاح الدين من اخلاص الأقباط وهبهم اعظم مكان وهو دير السلطان
بانتصارات صلاح الدين المتكررة على الصلبيين وتعاون الأقباط معه في صنع هذا النصر مثل عيسى الغواصى الذي كان يغوص بالقرب من سفن الصلبيين ويتعرف على اخبارهم وتبلغها إليه مما كان سببا مهما في النصر عليهم وسقوط مدينة القدس في يد صلاح الدين في عام 1187 تغيرت نفسية الامويين واصبحوا أكثر تسامحا مع الأقباط ومنحهم دير السلطان هذا هو مكان قريب وملاحق للارض المقدسة بالقدس، وهذا الدير هو الدير الوحيد الذي لا يحمل اسم احد القديسين كما هو معروف عن الأديرة القبطية
كما اعاد صلاح الدين الكثير من الأقباط إلى وظائفهم العليا في الدولة، كما استرد أقباط اخرون اموالهم وممتلكاتهم التي حكانوا قد فقدوها بطريقة أو بأخرى،
وهذا يدفعنا إلى التسأول كيف عامل صلاح الدين الأقباط بسوء أول الأمر، أهي داعية من دواعي الأمن أم دسيسة من مريض نفسي دسّها عليهم عنده وتبين بعدها الرشو من الفى؟!
فهناك موقف له ان نور الدين صاحب صلب ودمشق كتب يوما إلى الخليفة العباس يقول له (ان المسلمين حكموا خمسمائة عام ولم يسيئوا للنصارى، اما الان وقد انصرفت هذه الاعوام، يجب إلا يبقى هؤلاء النصارى في الامبراطورية الاسلامية، ومن لا يسلم منهم يقتل.. لكن الخليفة كان مسلما تقيا عارفا بدينة فكتب يقول له " انك لا تفهم تماما اقوال النبى من ان اعلى لا يأمرنا ان تقتل من لم يرتكب سوءا "
وهناك موقف اخر لصلاح الدين مع نصارى القدس بعد ان فتحها، وعليهم ان ارادوا فك هذا الاسر ان يدفعوا الدميه الحربية، اما النصارى من اهل القدس الذين ليسوا من الفرنجة فقد طلبوا من صلاح الدين ان يمكنهم من الاقامة في مساكنهم على ان يدفعوا الجزية فأجابهم إلى طلبهم..)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4- أشهر الشخصيات القبطية في العصر الأيوبي
امتد حكم الايوبين في مصر 1171 – 1250، وكانت فترة ثرية بالأحداث سواء على الساحة السياسية، من جراء الايوبيين مصر وتوليهم الحكم، أو ورود الحملات الصليبية التي دفع القبط ثمنها ولم يكن لهم فيها جريرة
الا انه يلاحظ انه رغم ما تعرضوا له من ضغوط نبغ منهم الكثيرون في شعاب مختلفة من العلوم سواء الدينية أو الثقافية ومن اهمهم
- الشيخ الرئيس صفى الدولة ابن ابى العالى المعروف بابن شرافى كاتب سر صلاح الدين الايوبى، وقد بقى في خدمته حتى مات، وكان محبوبا عن السلطان
- الشيخ نشئ الدولة ابو الفتوح المعروف بابن الميقاط، وكان رئيسا لديوان الجيوش في عهد الملك العادل، وقد لعب دورا هاما في رسامة كيرلس الثالث
- الاسعد بن صدقة كاتب دار التفاح وزعيم الفريق الذي قاوم رسامة الراهب داود بن لقلق بطريركا
- الشيخ ابو سعيد بن اندونه ، كان مستوفيا بالديوان الخاص العادلى في عهد الملك العادل
- الشيخ الثقة جبريل وكان من اكابر الأقباط ايام الايوبيين واهتم بتحديد الكنائس التي تخربت
- الشيخ شرف الرئاسة ابن هيلان كاتب الجيش
- الشيخ الاسعد ابو الفرج صليب بن ميخائيل، وكان صاحب ديوان الملك الصالح
- الشيخ السديد ابو الفضايل المعروف بابن ستمائة، كان كاتب الأمير على بن احمد الكردى، وكان امينا على خزائنه وأمواله، وقد جدد عمارة دير ابو سيفين بمصر القديمة وجعلها مقرا للبطريركية
- الشيخ ابن امين الملك ابن المهذب ابو سعيد يوحنا الاسكندرانى، وكان كاتبا مجيدا وشاعرا عظيما
- الشيخ المكين ابو البركات المعروف بابن كنامية
- امين الدولة ابن المصوف، كان امينا على أموال الحكومة في ايام السلطان صلاح الدين
- الشيخ ابو المكارم بن حنا والسيخ صنيعة الملك ابو الفرج بن الوزير والشيخ علم السعداء ابو اليمين والشيخ ابو الفرج وجميعهم من عائلة ابو اليمين بن زبنور الذي برز عهد الدولة الفاطمية
- الشيخ الصفى بطرس مهنا
- الاسعد صليب بن ميخائيل ويعرف بابن الايقومانس، كان عالما فاضلا، فلما احرق الوزير شأور مصر القديمة ، قام هو بتجديد دير مار مينا، وانشا مدرسة ومنتدى علمى هناك
- ابو سعيد بن الزيات احد اثرياء الأقباط، والشيخ يحيى بن هبة الله ويلقب بصنيعة الخلافة، والشيخ مصطفى الملك بن ابو يوسف، والشيخ علم الرئاسة ابن الصفر والشيخ فخر السعد بن زيتون
- الشيخ ابو المكارى، وكان كاتبا، ولما توفيت زوجته استقال من خدمة الديوان وترهب بأحد الأديرة ثم رسم اسقفا،
- بطرس بن الثعبان الراهب، ويلقب بالشيخ السنى، وهو استاذ أولاد العسال كان كاتبا ثم ترهب وبقى بدير المعلقة بمصر القديمة إلى ان مات في شيخوخة كبيرة، ويبدو انه تزوج اولاد ثم ترمل بعد وفاة زوجته، لانه والد بطرس ابو شاكر ابن الراهب.
هذه كوكبه من الشخصيات القبطية الامه في تلك الفترة، وتذكر بالتفصيل كوكبة اخرى مثل: اولاد العسال، الشيخ المؤتمن شمس الرياسة ابو البركات الشهيد بابن كبر قسيس، ابن كتاب قيصر، الأنبا بولس البوشي، الانبا يوساب اسقف فوه، جرجس ابن العميد، بطرس ابو شاكر بن الراهب، القس بطرس السدمنتى، سمعان بن كليل، الانبا ميخائيل الاتربى، يوحنا بن زكريا ابن سباع، انبا يوحنا نعمة الله اسقف البرلس، معانى ابو المكارم بن بركات.