هل انقرضت اللغه القبطيه؟؟؟
كلنا يعلم أن اللغة القبطية لازالت مستعملة في كنائسنا حتى اليوم في الصلوات والألحان وغيرها
لكن هل اللغة القبطية التي نصلي بها اليوم هي نفسها اللغة القبطية التي تكلم بها أجدادنا ؟
قد تندهش يا عزيزي لو عرفت أن الإجابة هي لا!!!
هل تصدق يا عزيزي انك لو استطعت الرجوع بالزمن 200سنة فقط إلى الوراء وصليت في أي كنيسة لوجدت أنهم يستخدمون لغة مختلفة اختلاف شاسع عن اللغة القبطية التي تعودنا علينا كلنا.؟
أظن أن اغلب القراء لن يكمل قراءة باقي السطور وسيسرع بغلق هذه المقالة التي يبدو أن من كتبها ليس في وعيه. لكن أعطوني فرصة للتوضيح
اللغة القبطية هي اللغة التي كانت تستخدم في مصر منذ أقدم العصور واستمرت بعد الفتح الإسلامي بفترة طويلة
وفي خلال العصور الإسلامية تعرضت اللغة للعديد من المصاعب والمشاكل والتي تسببت في ضعف اللغة تدريجيا حتى بطل استعمالها في أواخر القرن السابع عشر
بعد ذلك صارت اللغة تستخدم في الصلاة والألحان فقط وصارت الناس ترددها دون فهم
حتى جاء البابا كيرلس الرابع في القرن الثامن عشر وقرر إحياء اللغة القبطية من جديد وأمر أن تدرس اللغة في الاكليريكية
وكان معلم اللغة القبطية في هذا الوقت هو عريان أفندي جرجس مفتاح
وهذا الرجل وجد نفسه أمام مشكلة وهي أن الحروف القبطية تنطق بشكل غريب!!!.
فمن المعروف أن الأبجدية القبطية تتكون من واحد وثلاثون حرف منهم أربعة وعشرون حرف مشتقين من الحروف اليونانية وسبعه مشتقين من الديموطيقية
المشكلة التي وجدها عريان أفندي أن اليونانيين ينطقون حروفهم اليونانية بطريقة مختلفة عن الطريقة التي ينطق بها الأقباط نفس الحروف
فمثلا اليونانيين ينطقون حرف ال ڤيتا "ب" أو "ڤ" بينما كان ينطقه المصريون "ب" أو "و".
تحمس عريان أفندي هذا لفكرة تغيير نطق الحروف القبطية لتكون مشابهه للفظ اليوناني الحديث ظنا منه أن الأقباط وقد نسوا لغتهم لابد لهم أن يرجعوا إلى اليونانيين الذين لازالوا يتكلمون لغتهم لمعرفة أصوات الحروف اليونانية منهم وتطبيقها على الحروف القبطية.
لم يكن عريان أفندي يعرف –في الغالب- أن نطق الحروف اليونانية واللغة اليونانية عموما تغيرت كثيرا خلال الألفين عام التي مرت منذ استعار المصريين الحروف اليونانية من اليوناني حتى الوقت الذي عاش فيه
وننقل هنا ما كتبه أحد تلاميذ المعلم عريان أفندي جرجس المخلصين له وللفظ الذي استحدثه. وهو القمص عبد المسيح المسعودي البر موسي في كتابه "الأساس المتين في ضبط نطق المصريين" المطبوع في القاهرة سنة 1988
فقد جاء في صفحة 96 من الكتاب المذكور تحت عنوان "في تاريخ تعديل نطق بعض الحروف القبطية وسبب ذلك ومنفعته" ما يلي:
حيث أن المصريين استعملوا أحرف يونانية وشيئا من كلماتهم كما مر،، وتشارك القبطي اليوناني، فبناء على ذلك لما جعل المعلم الفاضل والعالم الغيور الكامل فريد عصره في علم اللغة القبطية جامع كتاب خدمة الشماس وطابعه بمطبعة الحجر ومؤلف أخيرا كتاب الدرة البهية في الأسرار الربية الشماس الدين الأرثوذكسي عريان أفندي جرجس مفتاح أستاذ اللغة القبطية (في المدرسة "الكلية" البطريركية سنة 1574 شهداء على عهد رئاسة البابا المعظم البابا كيرلس 110 ) رأى بفكره الثاقب ورأيه الصائب أن يعدل نطق بعض الحروف القبطية بالرجوع إلى أصلها اليوناني"
ثم يورد الكتاب أمثلة للتغير الذي استحدثه عريان أفندي في لفظ اللغة القبطية
فاوجد بذلك ما يسميه الكاتب بــ (القراءة الجديدة) ويدافع عن معلمه مساندا وجهة نظره في أفضلية (القراءة الجديدة) على (القراءة القديمة)
ونجح عريان أفندي في تعليم هذه القراءة الحديثة
وصارت اللغة القبطية تنطق بلغة غريبة على أقباط هذا الزمان
وبدأت تدرس هذه القراءة الجديدة في الاكليريكية
وقام البابا كيرلس الرابع بتقديم الدعم لها وصار يصلي بها
وهكذا انتشرت بسرعة حتى قضت على النطق الأصلي في الوجه البحري والقاهرة
لكنها واجهت بعض المقاومة في الصعيد لكنها كان تضعف تدريجيا
ويكتب ورل أيضا في كتابه موجز تاريخ القبط الذي ترجم إلى العربية وطبع ضمن رسالة مارمينا الخامسة "صفحة من تاريخ القبط"، ويقول (في صفحة 188 من الرسالة): وفي بعض جهات مصر العليا لا تزال بعض عائلات الفلاحين تتوارث كيفية نطق اللغة القبطية، ومع قلة ذلك فإنهم ينطقونها نطقا صحيحا أرقى بكثير من نطق كهنة القاهرة. وهم شديدو الفخر بوجود هذا التقليد العائلي لديهم وبما يتميز به ".
ويشهد بروفسور ورل في كتابه نصوص قبطية Worrell , Coptic
بأن اللفظ المعدل (الحديث) قد أدخل أخطاء وتشويشا " .
ويقول في نفس الكتاب ( ص 298 ) " كان ينبغي أن يحدث التعديل في اتجاه التقليد القروي (أي اللفظ القديم)، ولكن هذا أبعد كثيرا من أن يتوقع. فبدلا من ذلك أدخلت القيم (الصوتية) اليونانية الحديثة بانتظام. ولسوء الحظ تدرس هذه القيم بواسطة أولئك الذين يعضدون مشروع إحياء اللغة القبطية الممدوح جدا . والتقليد القديم يوجد الآن –على ما أعلم– في الصعيد فقط، أو أولئك الذي جاءوا من هناك والذين لم يستسلموا لضغط المدن"
لكن لازالت آثار اللغة القبطية الأصلية موجودة، فنورد بعض الكلمات هنا بالقبطي الأصلي والقبطي الحالي
بالقبطي الأصلي: واطس - ويصا – جاورجيوس – بسطوروس – تاوضروس – صاباؤوت – داويد – تاؤطوكوس - ارتودوكس
بالقبطي الحالي: ڤاطوس – ڤيصا – جيؤرجيوس – بيستاڤروس – ثيؤدوروس – صاڤاؤوث – داڤيد – ثيؤطوكوس - ارثوزوكس
وكما يقول وريل بقيت بقايا من يصلون بالقبطي الأصلي في الصعيد فقط وصار كل الناس في الوجه البحري والقاهرة يصلون بالقبطي المعدل ومع مرور الوقت نسي اغلب الناس موضوع تعديل اللغة ولتفسير سبب الاختلاف بين القبطي الذي يصلون به والقبطي الذي يصلي به بعض أهل الصعيد افترضوا أن من في الصعيد يصلون باللهجة الصعيدي وإننا نحن نصلي باللهجة البحري
بينما الحقيقة المرة أنهم هم من يصلي باللهجة البحري ونحن نصلي بلهجة اخترعها لنا عريان أفندي جرجس
في الستينيات من هذا القرن بدا شخص اسمه ايميل ماهر يبحث في موضوع اللغة القبطية وعرف بحقيقة التشويه الذي ادخل على اللغة
فذهب إلى الصعيد و قام بعمل تسجيلات لأناس طاعنين في السن لازالوا يعرفون كيف كان اللغة القبطية تنطق وبدا يدرس اللغة القبطية بنطقها الأصلي وبدأ الكثيرون يتهمونه بالهرطقة والبعض اسماه آريوس اللغة القبطية إلا أن البابا شنودة الثالث وقف بجانبه ورسمه قس وخصص له مكان في الكاتدرائية ليدرس فيه – في مبنى الأنبا رويس الدور الأخير- ولا زال هذا المعهد يدرس اللغة الأصلية ولكن السؤال هو هل سيتمكن هذا المعهد من إحياء اللغة القبطية من جديد أو على الأقل جعلها تستخدم في الصلوات والألحان بدلا من القبطي الحالي؟؟؟
للأسف كلما كلمت احد عن دراسة القبطي الأصلي يقول انه لا يهمه سوي أن يفهم ما يقال في الكنيسة
وكثيرون وجدتهم ويا للعجب متمسكين بالقبطي الحالي رغم كل ما عرفوه عنه
أناس كثيرين لا يقدرون معنى كلمة تراث أو لغة الأجداد
متى تحيى لغتنا الحقيقية من جديد؟ متى؟
منقووول