موضوع: اللغه القبطيه الجزء الثاني الإثنين مايو 31, 2010 1:35 am
الجزء الثانى
وكملاحظة عامة، نجد أن كتابة كلمات أية لغة بحروف لغة أخرى مختلفة عنها تماماً، لابد أن تؤدى إلى تشوهات واضحة في نطق بعض الحروف ذات الأصوات الغير مشتركة ما بين اللغتين، وهذا للأسف ما حدث عندما حاول البعض كتابة اللغة القبطية بحروف عربية، وهو أيضا ما يمكن أن نلاحظه بسهولة إذا حاولنا كتابة كلمة إنجليزية أو أية كلمة من لغة أجنبية أخرى بحروف عربية. فكلمة (Telephone) مثلا، إذا أردنا أن نكتبها بالحروف العربية فسنكتبها إما (تيليفون) أو كما ينطقها بعض العامة (تالافون)، فواضح هنا أن صوت الحرف (E) قد تشوّه تماماً وأخذ صوتا آخر وهو إما (ي) أو (أ). كذلك صوت الحرف (P) الذي لا نجد ما يقابله في الأصوات والكتابة العربية، فينطقه العرب مشوهاً ومختلطاً بصوت الحرف (ب). وصوت الحرف (V) الذي لا يوجد أيضاً في اللغة العربية ما يقابله، ينطقونه مشوهاً ومختلطاً بصوت الحرف (ف) (F)، وهكذا... ومن الأمور الواضحة لتأثير الأصوات العربية على نطق القبطية في ذلك الوقت، كان ظهور الصوت (ض) والذي يُعتَبر من العلامات المميزة والدالة على لغة العرب، فيقولون لغة الضاد أي لغة العرب، كذلك صوت الحرف (ح) أيضاً. والمؤثر الثاني الذي لاحظه البابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح هو: تأثير اللهجات القديمة كالصعيدية أو الأخميمية أو الفيومية أو غيرها من اللهجات القبطية القديمة، الأساسية منها أو الفرعية، على اللهجة القبطية الموحدة. وكان هذا التأثير مفهوماً وواضحاً، فنتيجة لاعتبار اللهجة البحيرية بمثابة اللهجة القبطية الرسمية الموحدة للكنيسة القبطية (المصرية) بصفة عامة منذ القرن الحادي عشر، وكتابة جميع الكتب الكنسية بهذه اللهجة فقط، دون غيرها، ولأن اللهجة الصعيدية استمرت لفترة زمنية أكبر بكثير من اللهجة البحيرية كلغة تخاطب في الحياة اليومية لأقباط الصعيد. فإن القارئ الصعيدي كان عندما يقرأ نصاً قبطياً كان يقرأه بلكنة أو بطريقة صعيدية، والقارئ من أهالي الفيوم كان يقرأ بلكنة أو بطريقة فيومية، وهكذا... فالصعيدي الذي لم يتعود أن ينطق حرف (ث)، كان عندما يقابله هذا الحرف، تجده ينطقه (ت) وليس (ث). وعندما يقابله حرف (ج)، كان ينطقه (ﭺ) معطشة وليس ج خفيفة، وهكذا... لذلك ففي منتصف القرن الثامن عشر، كان التشويه والخلط واضحاً بين نطق حرف ال (ث) وحرف ال (ت)، كذلك بين نطق ال (ج) الخفيفة و(ﭺ) المعطشة. وقد قاد البابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح، هذه الحركة الإصلاحية قيادة مباشرة بنفسه، مع فريق من الأساتذة والباحثين والعلماء المتخصصين في هذا المجال وأولى هذا الموضوع عناية خاصة، لما له من أهمية بالغة وضرورة قصوى في مجال وحدة التعليم ووحدة الأداء وممارسة الطقوس والعبادة دون بلبلة أو تشتت، فالنطق الذي يتعلمه ويستخدمه أهل الإسكندرية أو طنطا هو نفسه الذي يتعلمه ويستخدمه أهل أسيوط أو المنيا أو ملوي، والذي يتعلم في إكليريكية القاهرة لا يجد أدنى مشقة في متابعة الألحان والصلوات والتسابيح التي تتلى في جميع الكنائس من الإسكندرية وحتى أسوان، بل وفي أي مكان آخر من العالم اليوم. والحقيقة أن البابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح، كان عليه أن يواجه جماعات الرجعية والتخلف، جماعات ما يمكن أن نسميهم - ضد الإصلاح - أولئك الذين يقفون دائماً ضد أي إصلاح ويحاربون كل مسيرة أو تقدم إلى الأمام، ويحاولون هدم كل بناء وتشويه كل صورة جميله، ربما لأسباب ومنافع شخصية ضيقة، أو أفكار وآراء غريبة ومتخلفة،... فاتهموا أبو الإصلاح بأنه أفسد النطق وأنه أخطأ خطئاً فاحشا (والعياذ بالله) بأن نقل من اللغة اليونانية الحديثة وليس من اليونانية القديمة، كما حاربوا بشدة استخدامه للمطبعة في طبع الكتب المقدسة والكتب الدينية، واتهموه بالكفر لأنه يضع اسم الله القدوس في آلة من الحديد تدور عجلاتها وتروسها وتطبع اسم الله دون أن تنطق ألسنتها - إذ ليس لها ألسنة - للتسبيح والتمجيد لله. وحاربوا كذلك بضراوة وبكل قوتهم، فتح المدارس لتعليم البنات، واتهموه بالفساد وإفساد الأخلاق لأنه يسمح للبنات بالخروج من المنازل والسير في الشوارع بمفردهن، من وإلى المدرسة... ولكن لم تكن لكل هذه الحجج السخيفة والإدعاءات الواهية والاتهامات الباطلة، أن توقف تيار الإصلاح والتقدم... ولقد انتشر هذا النطق القبطي الموحد (من أيام البابا خريستوذولس)، والمصحح (من أيام البابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح)، انتشاراً واسعاً وسريعاً في جميع أنحاء مصر، بل وخارجها أيضاً، وساعد على هذا الانتشار، اختراع أجهزة التسجيل الصوتي فيما بعد، في العصر الحديث. وقد دبرت عناية الله أن يقوم أحد رجال الكنيسة القبطية المخلصين، وهو الدكتور راغب مفتاح (١٨٩٨ ـ ٢٠٠١) ببذل كل ما يملك من جهد ومال للمحافظة على ألحان الكنيسة وتسابيحها بلهجتها الموحدة وبنطقها الجميل، وقام بتسجيل هذا التراث العظيم، مستخدماً جهاز تسجيل صوتي، لعله أول جهاز تسجيل صوتي يدخل أرض مصر، بعد جهاز التسجيل الذي كانت تمتلكه الإذاعة المصرية في ذلك الوقت. تماماً كما فعل البابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح، بإحضاره أول مطبعة أهلية، بعد المطبعة الأميرية ببولاق بالقاهرة. وقد استعان د. راغب مفتاح بالمعلم ميخائيل جرجس البتانوني، وهو أحد أكبر المعلمين الحافظين للألحان القبطية والموثوق في أدائهم للألحان بكل دقة وأمانة من ناحيتي اللحن والنطق الجميل (نطق الكنيسة الموحد). كما استضاف في بيته من سنة ١٩٢٧ عالم الموسيقى "نيولاند سميث"، لتدوين الألحان من فم المعلم ميخائيل البتانوني. كذلك استقدم عالمة الموسيقى المجرية "مارجريت توط"، ومعها العالمة الأمريكية "مارتا روي"، لتدوين النوتة الموسيقية للألحان القبطية. ولا شك أن كل هذه التسجيلات الصوتية و التدوينات تعد مرجعاً هاماً، ليس فقط في مجال الألحان، وإنما أيضاً، في مجال النطق الموحد للغة القبطية الموحدة اليوم... لقد مد الله في عمر هذا الرجل فعاش ١٠٣ سنة، وعاصر ستة من الآباء البطاركة، من البابا كيرلس الخامس البابا الـ (١١٢) إلى البابا شنوده الثالث البابا الـ (١١٧) أطال الله حياته،، وقد قدم شهادة حية قوية موثقة بهذه التسجيلات الصوتية، عن نطق الكنيسة الموحد منذ زمن البابا خريستوذولوس والمصحح منذ أيام البابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح، وقد أعلن ونشر رفضه التام لكل ما يقوله أصحاب وأتباع التعليم المخالف الداعي إلى الارتداد والعودة إلى اللهجات القديمة، فالمعلم ميخائيل البتانوني الذي سجل له الأستاذ راغب مفتاح هذه الألحان، كان قد عاصر هو أيضاً بدوره البابا كيرلس الخامس وكان الدكتور راغب مفتاح يسابق الزمن معه، حريصاً على أن يسجل لهذا الرجل كل ما عنده من ألحان والاحتفاظ بها كمرجع، ثم يقوم بعد ذلك بتحفيظها لمجموعة من الشباب من طلبة المعهد والكلية الاكليريكية، وإعادة تسجيل ما حفظوه مرة أخرى بأصواتهم وبنفس النطق واللحن